يصف تقرير نشره موقع تي آر تي وورلد أن غزة، بعد مرور عامين على اندلاع الحرب الإسرائيلية في أكتوبر 2023، باتت مدينةً منهكة، سكانها جُوِّعوا عمدًا، وصحافيوها أُسكتوا، والعالم انقسم بين تواطؤٍ وصمتٍ انتقائي. ووفقًا للتقرير، تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين 67 ألفًا، معظمهم من النساء والأطفال، وأصيب نحو 170 ألفًا آخرين، فيما تحوّل القطاع إلى أرض مجاعة ونزوح، اعترفت بها لجنة تابعة للأمم المتحدة كجريمة إبادة جماعية عام 2025.
أوضح المصدر أن الحصار الإسرائيلي على غزة استخدم الجوع كسلاحٍ متعمّد. فحرمان السكان من الغذاء والماء والوقود لم يكن عشوائيًا، بل سياسة ممنهجة هدفت إلى الإبادة البطيئة. ويشير رامي عبده، رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إلى أن إسرائيل "حوّلت الطعام والماء إلى أدوات قتل"، مضيفًا أن "مجاعة غزة ليست نتاج كارثة طبيعية، بل قرار سياسي يقصد قتل المدنيين جوعًا".
منذ فرض إسرائيل حصارها الكامل في 9 أكتوبر 2023، انهار النظام الغذائي في القطاع. توقفت المخابز، صمتت مضخات المياه، ودُمّرت الأراضي الزراعية. وعندما حاول المدنيون الوصول إلى مناطق توزيع المساعدات التي أنشأتها إسرائيل في 2025، واجهوا إطلاق نار مباشر، ما أودى بحياة أكثر من 1,700 فلسطيني، بينهم قرابة ألف قُتلوا قرب تلك المواقع.
وفي 22 أغسطس 2025، أعلن تصنيف الأمن الغذائي المتكامل للأمم المتحدة رسميًا حالة المجاعة في غزة بعد تجاوز جميع مؤشرات الكارثة الثلاثة: نقص الغذاء الحاد، سوء التغذية، والوفيات الناتجة عن الجوع. وأفاد تقرير وزارة الصحة في غزة بوفاة ما لا يقل عن 460 شخصًا بسبب الجوع، بينهم 150 طفلًا، مع معاناة طفلٍ من كل خمسة في مدينة غزة من سوء تغذية حاد.
ورغم الاعتراف الدولي بالمجاعة، ظلّ الرد العالمي هشًا. يقول عبده: "العالم أخفق في إرغام إسرائيل على الالتزام بقرارات الأمم المتحدة، مدعومة من الولايات المتحدة وأوروبا". وبعد شهرٍ واحد، خلصت لجنة التحقيق الدولية المستقلة إلى أن إسرائيل ارتكبت جريمة إبادة جماعية، مستوفيةً أربعة من الأفعال الخمسة المنصوص عليها في اتفاقية عام 1948. ومع ذلك، لم تُتخذ إجراءات فعلية لوقف الجريمة أو محاسبة مرتكبيها.
بينما فُرض الجوع على غزة، واصلت الصحافة الفلسطينية العمل رغم المخاطر. من بين الضحايا كان الصحفي يحيى برزاق، المتعاون مع تي آر تي وورلد، الذي استُشهد في غارة إسرائيلية على دير البلح في سبتمبر 2025 أثناء رفعه لقطاتٍ مصوّرة. كان برزاق قبل الحرب مصوّر أطفالٍ حديثي الولادة، فتحوّلت صفحاته إلى صور الدمار والجنائز. وكتب في آخر منشورٍ له: "نُقل جسدي إلى الجنوب، لكن قلبي ما زال في غزة". وبلغ عدد الصحفيين الذين فقدوا حياتهم في الحرب أكثر من 250، لتصبح غزة أخطر مكانٍ للإعلاميين في العصر الحديث. وتؤكد المؤسسات المحلية أن قتل الصحفيين لم يكن عرضيًا بل جزءًا من حملةٍ منظمة لإسكات رواية الفلسطينيين.
في المقابل، أعادت المأساة تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي. فقد ضربت موجةُ مقاطعاتٍ واسعة شركاتٍ كبرى اتُّهمت بدعم إسرائيل أو الاستفادة من حربها. فقدت ماكدونالدز مبيعاتها لأول مرة منذ أربع سنوات، بينما تراجعت مبيعات ستاربكس بنسبة 36% في ماليزيا، وهبطت أرباحها عالميًا لربعين متتاليين. كما انخفضت إيرادات نايكي بنسبة 12%، وتراجعت أرباحها 86% في الربع الثاني من 2025، فيما شهدت مبيعات كوكاكولا ونسله انخفاضًا ملحوظًا في الأسواق التركية والعربية.
صناديق استثمار ضخمة انخرطت هي الأخرى في المقاطعة. سحب الصندوق السيادي النرويجي، الذي تبلغ قيمته تريليوني دولار، استثماراته من خمسة بنوك إسرائيلية ومن شركة "كاتربيلر" الأمريكية، معتبرًا مشاركتها في جرائم الحرب "خطرًا غير مقبول". واتخذ أكبر صندوق تقاعد هولندي خطوة مماثلة، ببيع أسهم "كاتربيلر" بقيمة 387 مليون يورو.
أما أوروبا، فواجهت أزمة أخلاقية حادة. فعندما اندلعت الحرب، هرع قادة الاتحاد الأوروبي إلى تل أبيب دعمًا لإسرائيل، لكن بعد عامين تغيّر الموقف تحت ضغط الشارع. بدأت بروكسل مراجعة اتفاق الشراكة مع تل أبيب بسبب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، واقترحت فرض عقوبات وتجميد اتفاقيات، إلا أن الانقسام بين الدول الأعضاء عطّل التنفيذ. دعت إسبانيا وإيرلندا إلى تحرّكٍ حازم، بينما قاومت ألمانيا أي خطوةٍ قد تُغضب واشنطن أو تل أبيب.
يرى كينيث روث، المدير السابق لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، أن الاتحاد الأوروبي "فشل في إدراك أن حرب إسرائيل تحولت إلى حرب ضد المدنيين في غزة". وأضاف أن "بعض الدول الأوروبية أوقفت بيع الأسلحة واعترفت بدولة فلسطين، لكنها لم تجرؤ بعد على مواجهة الولايات المتحدة". واعتبر كلوديو فرانشافيلا من المنظمة نفسها أن استجابة أوروبا جاءت "متأخرة وضعيفة"، بينما وصفت الباحثة نيام ني بريان من معهد الدراسات العابرة للحدود تردد الاتحاد الأوروبي بأنه "انهيار أخلاقي"، مؤكدة أن "قادة أوروبا لو وُجد العدل فعلًا، لوقفوا أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة التواطؤ في الإبادة".
بهذا، يختتم التقرير بأن مأساة غزة لم تكشف فقط وحشية الاحتلال، بل فضحت أيضًا ازدواجية العالم، الذي ترك الفلسطينيين يواجهون الجوع والموت بصمتٍ مروّع، بينما تُقاس إنسانيته على موازين المصالح والسياسة.